في بلدة صغيرة مطلة على جبال الهيمالايا، في قصر
الملك سودودانا، وفي ليلة مقمرة كانت الملكة مايا نائمة. في تلك الليلة حلمت الملكة
بفيل أبيض صغير، يقترب منها أكثر فأكثر، حتى دخل إلى داخل جسدها من جانبها، ثم
استيقظت.
شرعت الملكة في البحث
عن تفسير لهذا الحلم، وتوصلت الى أنها ستحمل قريبا، وأن المولود سيصبح إمبراطورا
عظيما، أو معلما دينيا لم يسبق له مثيل.
فرح الملك والملكة عندما سمعا ذلك. لأنهما
سيرزقان بطفل سيحمل فخر العائلة، وسيواصل إشعاع تراثها الملكي.
جاء اليوم الذي ولد فيه الإمبراطور
الشاب.وحدث شيء غير طبيعي للغاية!. نهض الطفل حديث الولادة ومشى 7 خطوات. ثم تحدث
وقال إن هذه ستكون آخر مرة يولد فيها. "انتظر! هل ولدت من قبل؟ ولم يجب الطفل
أحدا. ولهذا السبب سمي سيدهارتا غوتاما.
عاش سيدهارتا كل حياته بين جدران قصر والده. حياة
سهلة حيث حصل على كل ما يريد. وكل ما يحتاجه كان موجودًا، حتى قبل أن يفكر فيه،
لكن هذا لم يكن خياره. كان والده يراقب ابنه وهو يكبر، ولم يتمكن من رؤية سوى شيء
واحد: الحلم الذي رأته زوجته. وأن يكون ابنه إما إمبراطورًا أو مدرسًا للدين.
لذلك حاول أن يحد من أوقات خروج ابنه
من القصر. وحتى عندما خرج سيدهارتا في العربة الملكية، أمر والده بملء الشوارع
التي كان يسير فيها بالأشخاص المبتسمين السعداء، وبإخفاء أي مريض أو فقير، وذلك
لكي لا يتم إزعاجه. أو يشعر بالحاجة إلى التفكيرأوالقلق بشأن أي شيء. "لا
نريده أن يفكر في الهدف، أوالحياة، أوالموت. نريده أن يفكر في مستقبله
كإمبراطور".
ولكن في أحد الأيام، بينما كان الصبي في عربته
الملكية، وعمره حوالي 29 عامًا، رأى سيدهارتا رجلاً عجوزًا، ضعيف الجسم. يمشي ببطء
بسبب الألم.
لأول مرة في حياته، رأى سيدهارتا شخصًا يعاني. ومن
جراء الصدمة، عاد إلى القصر وهو يحاول استيعاب الأمر. لأنه مهما أصبح غنيا أو
قويا، ففي يوم من الأيام سيصير عجوزًا.
تلك التجربة لم تخف سيدهارتا واستمر في الخروج.
وفي المرة الثانية رأى رجلاً مريضاً. وفي المرة الثالثة رأى جثة.
بدأ سيدهارتا يدرك كيف أن حياته
السابقة لم تكن حقيقية. وأن قصر
أبيه كان مغشوشًا، مزيفا لحقيقة الحياة. وأن هذه الجدران لن تمنع الشيخوخة أو
المرض أو الموت من القدوم. وأصبح يدرك أنه كان يعيش كذبة كبيرة.
هروب سيدهارتا من القصر
قررسيدهارتا الهروب من القصر، وعدم
رؤية أسوارالقصر التي تحجب الحقيقة، وفضل العيش في الشارع. لم يهرب لأنه شعر
بالذنب، أو لأنه سئم من الحياة السهلة. هرب سيدهارثا لأنه أراد أن يفهم المعاناة
والحياة البشرية.
والأهم من ذلك أنه أراد أن يعرف كيفية الحد من
تلك المعاناة. ورأى أنه إذا ترك حياة
الرفاهية، فسوف يفهم الحياة.
وفي سبيل سعيه نحو اكتشاف حقيقة
الحياة، قضى أيامًا كاملة دون طعام، حتى أصبح جسده غير قادر على حمل نفسه. ولم يكن
قادراً على الوقوف، وبدأ شعره يتساقط.
هذا الجوع الشديد، مثل الترف، لن
يقوده إلى إدراك حقيقة الحياة. فكلاهما يمنعه من التفكير، لذلك قررأن يتعلم كيفية
التأمل من المعلمين الدينيين الذين التقى بهم في الخارج، فتعلم دروس اليوغا التي
غيرت حياته.
المستنير
كان هدفه هو تعلم شيء أعمق عن الحياة، وكان
التأمل وسيلة وليس الغاية. وبالفعل بعد ست سنوات من العيش في الشوارع والطبيعة، وأثناء
تأمله تحت شجرة التين في فهم معنى الحياة وصراعاتها. وصار يعرف كيفية الحد من
الصراعات، وإنهائها بالكامل. أي وصل الى
الاستنارة.
ومنذ ذلك الحين، عُرف باسم "المستنير"
أو "بوذا". بعد الاستنارة، سأل بوذا نفسه سؤالا مهما. "ماذا
بعد؟" لقد فهم كيف تسير الحياة، وكيف يمكن للبشر التغلب على الشيخوخة والمرض
والموت. "ماذا علي أن أفعل الآن بعد أن عرفت هذا؟".
قررألا يكون أنانيًا فيما تعلمه، وأن عليه أن
يمنح استنارته للآخرين. وبالفعل، عاد بوذا إلى المدينة، كي يشارك حكمته مع خمسة من
أصدقائه الذين التقى بهم خلال تجربته في الشارع،
فاستيقظواهم أيضا.
بالطبع، أنت تتساءل "ماذا قال لهم بوذا لاستنارتهم؟،
وهل هناك شخص ما قادر حقًا على فهم الحياة؟، هل بالفعل شخص ما قادر على إنهاء
معاناة الإنسان في الحياة؟.
تعليمات بوذا
يمكن
تلخيص تعليمات بوذا في أربع حقائق. أربعة حقائق تلخص حياة الإنسان من وجهة نظره. ولكي نفهم هذه
الحقائق، نحتاج إلى معرفة بوذا للعالم.
وفقًا لبوذا ونظرته للعالم، عندما يموت الشخص،
فإنه لا يتلاشى ويذهب إلى عالم آخر، بل يولد من جديد في عملية يسميها
"التناسخ". في الغالب، ينسى البشر ذكرياتهم عن حياتهم الماضية. لكن
يمكنهم تذكر بعض التفاصيل إذا بذلوا جهدًا كافيًا.
وأن الإنسان في عملية التناسخ حسب
ادعائه الأسطوري، لا يولد من جديد في أي شخص عشوائي، بل يولد في شخصيته السابقة،
وأن حياته الماضية تؤثر على حياته القادمة من خلال الكارما.
فعندما تفعل شيئًا صالحًا، مثل إطعام شخص فقير،
فستكون لديك كارما جيدة. ولكن عندما تفعل شيئًا سيئًا، مثل السرقة، فإن الكارما ستصبح
سيئة. وعليه عندما تموت، فالكارما الخاصة بك هي التي تحدد طبيعة حياتك القادمة.
ويذهب بوذا في زعمه الى أبعد من ذلك،
حيث يرى أنه إذا كنت شخصًا لديه كارما سيئة، وإذا واصلت القيام بأفعال سيئة
أخلاقيًا، فمن المحتمل أن تولد من جديد في جسد حيوان، ومن الممكن أيضًا أن تولد في
مكان مشابه للجحيم، والجحيم هنا قد يكون حارًا أو باردًا. الفرق المهم هو أنك لن
تبقى هناك إلى الأبد. بل ستبقى هناك حتى تنتهي كارماك السيئة التي أوصلتك إلى هنالك.
وإذا كان لدى الشخص كارما جيدة وقام
بأعمال صالحة، فهل سيظل إنسانًا أيضًا؟. في هذه الحالة، وفقًا للبوذية، سوف تذهب
إلى مكان ما خارج العالم البشري. سوف تعيش ككائن سماوي. ولكن حتى ككائن سماوي، فإن
حياتك هناك لا تزال مقيدة بالكارما. إذا لم تحافظ عليه فسوف يسقط، وسوف تولد
إنسانا مرة أخرى. الكارما تلاحقك في أي مكان تذهب إليه. لا تعتقد أنه يمكنك الهروب
من الكارما من خلال الموت. يقول بوذا أن الكارما هي ظاهرة طبيعية مثل الجاذبية.
يحدث هذا للجميع من الملوك إلى المتسولين.
الحقيقة الأولى: المعاناة
الحقيقة الأولى بحسب بوذا تقول أن الحياة مليئة
بالمعاناة. بغض النظر عن مقدار المال الذي تملكه، أو مقدار ما تهرب منه، فإن أشياء
مثل الشيخوخة والمرض والموت ستأتي إليك في النهاية.
المعاناة تعني شيئًا آخر هنا أيضًا، فالقلق
أو الخوف أو أي خيبة أمل يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، هي أيضًا شكل من
أشكال المعاناة. يأتي ذلك من حقيقة أن حياتنا لن تكون أبدًا كما نريد تمامًا، وأنه
حتى عندما يكون الأمر كما نريد ونسعد به، فإن هذه السعادة مؤقتة ولا تدوم.
الحقيقة الثانية: الرغبة
الحقيقة الثانية لبوذا هي امتداد للحقيقة
السابقة وتقول إن المصدر الرئيسي للمعاناة هي الرغبة. وهذا يتماشى مع الحقيقة
الأولى. لأنه إذا لم ترغب أبدًا في أي شيء، فلن تشعر بخيبة أمل أبدًا. ويعتقد أن
هناك ثلاثة أنواع من الرغبات التي تسبب المعاناة.
النوع الأول
هي الرغبات المادية أو الجسدية، مثل الرغبة في
سيارة جديدة، أو الرغبة في منزل أكبر. والطموحات الفاشلة تؤدي إلى خيبة الأمل.
النوع الثاني
النوع الثاني هو الرغبة في الوجود
وإثبات الذات. يحدث هذا بعد أن يحقق الشخص رغباته الرئيسية، ويريد أن يصبح شيئًا
ما، ويجرب أشياء جديدة، ويكتشف العالم ويجد مكانه.
النوع الثالث
أما النوع الثالث، وهو الأخطر، فهو
الرغبة في عدم الوجود. أي الرغبة في تدمير النفس، إن تدمير نفسك يعني حرمانها من
احتياجاتها الأساسية، وإنكار قيمة وجودك. ويأتي هذا عادة من نقص الثقة بالنفس.
ويمكن أن يؤدي إلى الانتحار. هذه الأنواع الثلاثة من الرغبات كلها متشابهة. لأنها
كلها مثل الرغبات المادية، لا تتحقق أبدًا.
لن تتحقق رغبات الوجود أبدًا طالما أن
الشخص مهووس بذاته. ورغبات عدم الوجود لن تتحقق أبدًا كذلك ما دام الإنسان
موجودًا. لاحظ أن بوذا لا يتحدث عن الرغبات الشهوانية بشكلها المعروف. إنه يتحدث
عن أي رغبة إنسانية تجعله في صراع مع نفسه ومع العالم.
ثنائية المعاناة و الرغبة، و النار و الخشب
يشبه بوذا معاناة الإنسان بالنار.
ويقارن الرغبات بالخشب الذي يمكن أن يشعل هذه النار. ويقول إن أي معاناة يمر بها
الإنسان سببها رغبة عميقة لم تتحقق. حتى لو كانت تلك الرغبة من الخارج تبدو بعيدة
عن المتعة. مثل هذه الرغبات لا يتم إشباعها أبدًا، لأن الشخص ينزعج مرة أخرى،
ويشعر بهذه الرغبة مرة أخرى وربما أكثر.
ولكن كيف لا تتحقق الرغبة في عدم
الوجود؟. الانتحار يقتلك وبالنسبة لبوذا، فإنك تولد من جديد عندما تموت. لذا، سواء
كنت موجودًا أم لا، ستظل موجودا والرغبة ستكون موجودة أيضا. إن الحلقة التي لا
نهاية لها من الرغبة والمحاولات الفاشلة لتحقيق تلك الرغبة، بالنسبة لبوذا، تشبه
دورة الحياة والموت.
الحقيقة الثالثة: الانطفاء
والحقيقة الثالثة، بحسب بوذا، تربط هاتين
الدورتين معًا. دورات الرغبة والمعاناة.
قال: " هناك طريقة لإنهاء
المعاناة الإنسانية!"، هناك طريقة لتحرير البشر من حلقة الرغبة التي لا نهاية
لها. ويقول إنهم لن يحرروا الناس من الرغبات فحسب، بل يمكنهم أيضًا تحريرهم من
دورة الحياة والموت التي لا نهاية لها، والوصول إلى مكان يسمى نيرفانا. وكلمة
"نيرفانا" تعني "الانطفاء".
يبدو الأمر وكأنك تمتلك شمعة مضاءة ثم
تطفئها. وفقًا لبوذا، النيرفانا ليست مكانًا تذهب إليه عندما تموت. إنها حالة
يمكنك الوصول إليها كإنسان في حياتك. هذه هي الحالة التي قال بوذا أنه وصل إليها
عندما تأمل تحت شجرة التين واستنار. وهو المكان الذي سيذهب إليه بعد الموت.
إن الوصول إلى النيرفانا ليس نهاية
المطاف، بل النيرفانا هي الحالة التي يصل إليها الإنسان عندما يتخلص من معاناة
الحياة، ودائرة الرغبات.
الحقيقة الرابعة
الحقيقة الرابعة والأخيرة لبوذا والتي،
وفقًا له، يمكن أن تساعد شخصًا ما في الوصول إلى السعادة القصوى، ويمكن تقسيمها
إلى ثلاثة أجزاء.
الجزء الأول: الكارما
أولاً، تحسين الكارما من خلال التحلي بالأخلاق
الحميدة. إن وجود أخلاق جيدة لبوذا لا يعني اتباعه بشكل كلي، أواتباع المجتمع بشكل
أعمى.
يأتي ذلك من فكرة أن الكارما ظاهرة طبيعية. إذا
فعلت شيئًا لأنك تعتقد أنه جيد، وهو جيد،
فسوف تتم مكافأتك. حتى لو رأى المجتمع أن ذلك خطأ، وحتى لو بدا الأمر
مخالفًا لما قاله بوذا.
في بعض الأحيان، كان بوذا يقول إن تعليماته لم
يكن المقصود منها أن تؤخذ بطريقة أدبية ويتم تنفيذها. ولكن يجب على كل شخص أن يفكر
في الأمر حسب الوضع الذي هو فيه، وأن يفعل ما يراه أفضل.
الجزء الثاني: الحكمة
لكي يتمتع الإنسان ببصيرة جيدة لاتخاذ
قرارات مناسبة، يحتاج إلى الحكمة. هذا هو الشيء الثاني من بين ثلاثة أشياء تساعدك
على الوصول إلى النيرفانا. الحكمة بالنسبة لبوذا هي فهم الحقائق الأربع، والرغبة
دائمًا في تحسين فهمك للعالم.
الجزء الثالث: التأمل
أقل ما تحتاجه للوصول إلى النيرفانا هو التأمل،
والتأمل في البوذية ليس مثل الصلاة في الديانات السماوية، التي تهدف إلى الطاعة و
التعبد، ولكن التأمل في البوذية هو وسيلة للتفكير في العالم، وفي حياتك. لذلك، فهو
يساعدك على الوصول إلى الحكمة والجدارة التي تساعدك على اتخاذ القرار الجيد.
كل هذه الأجزاء، وفقًا لبوذا، من المفترض أن
توصلك إلى النيرفانا.
نهاية بوذا
واصل بوذا رحلته لنشر رسالته. وكان
يتنقل من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة سيرا على الأقدام. حتى بلغ الثمانين
من عمره وشعر بالموت يقترب. وتساءل الناس من حوله: ماذا سيحدث لرسالته بعد وفاته؟.
فهل سيحل محله أحد؟ ومن يستطيع أن يحل
محله؟ لكن بوذا لم يقل أنه سيتم استبداله، لأنه لم يكن قائدًا، أو نبيًا.
وفي النهاية، مات بوذا ملقى على جنبه
بين شجرتين في قرية صغيرة في الهند. ووفقا له، فقد وصل إلى النيرفانا، وحقق هدفه
ولن يولد مرة أخرى.
عبرة
قصة حياة بوذا، وخاصة قبل الاستنارة،
مليئة بالتفاصيل الغريبة، مثل الفيل الأبيض الصغير، وتكلمه بعد ولادته. فالبرغم من
أن هذه الاحداث غريبة، إلا أنها تشكل قصة مهمة، لأننا إذا نظرنا إليها بشكل مختلف،
فإنها تصور حياة الكثير من الناس.
عندما يكون البشر أطفالًا، فإنهم يرون
كل شيء جميلًا. فالطفل محمي من العالم من قبل والديه. يعيش في منطقة راحته،
معتقدًا أن هذا هو العالم. حتى يدرك هذا الطفل عندما يكبر أن الأمر ليس بهذه
السهولة. وأنه سوف يريد أشياء كثيرة لا يستطيع الحصول عليها.
عندها يكون أمامه خياران: إما أن يحاول التمسك
بشدة بمنطقة الراحة الخاصة به، أوأن ينظر في الاتجاه الآخر عندما لا يتماشى شيء ما
مع نظرته للعالم، وأن يغضب عندما يقال له شيء ما ضد منطقة الراحة تلك.
لقد قدم
بوذا بتجربة إنسانية وفلسفية، لذلك فالبوذية ليست ديانة سماوية مثل الإسلام
واليهودية والمسيحية. لكنها فلسفة تحاول فهم العالم والبشر والعلاقات بينهم.
لائحة المراجع: