شهد العالم تقدما اقتصاديا وحضاريا مهولا، وكانت الطاقة هي المحرك الأساس لهذا التقدم، فإليها يعود الفضل في كثير مما ححقه الأنسان اليوم. لكن كل ذلك كان على حساب البيئة، فالإنسان وهو يبحث عن الطاقة قام باستغلال موارد البيئة بشكل مفرط، وقضى على تنوعها، ولوث هواءها، خاصة بعد الثورة الصناعية. مما أثر سلبا على المناخ، الذي بدا يلقي بظلاله القاتمة على كوكب الأرض، تاركاً وراءه آثاراً مدمرة لا تقتصر على البيئة فقط، بل تمتد لتُهدد سلامتنا النفسية أيضاً. وصار العديد من الأشخاص يعانون من مشاعر القلق والاكتئاب والغضب، نتيجة لتأثيرات تغير المناخ.
فما علاقة تغيرالمناخ بالصحة النفسية؟ وما آثارهذا التغيّرعلى صحتنا النفسية؟
1_ ما المقصود بالصحة النفسية:
أصبحت الصحة النفسية مهمة في مجتمعاتنا الحالية، فمن خلال العناية بها يستطيع الإنسان أن يحقق حياة طيبة. كما يمكن من خلالها المساهمة في تقدم وتطور المجتمع الذي نعيش به، بالإضافة الى كونها حق أساسي من حقوق الإنسان.
وقد وضعت لمفهوم الصحة النفسية مجموعة من التعريفات، ومن أبرزها أنها: حالة من العافية التي يحقق فيها الإنسان قدراته الخاصة، ويمكن التغلب من خلالها على الإجهادات العالية في الحياة، وتتضمن التمتع بصحة العقل وسلامة السلوك.
فمن خلال هذا التعريف المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية نرى أن تمكن الإنسان من تحقيق قدراته، كالقدرة على بناء العلاقات والوصول إلى الأهذاف، وفرض الذات، فيه تحقيق للصحة النفسية.
وبفضل تحقيق هذه القدرات يستطيع الإنسان أن يتوافق مع نفسه، وأن يرضى على ذاته، مما يمكنه من تتجاوز الصعوبات التي تعترضه في الحياة، ومن ثم التمتع بصحة نفسية جيدة.
كما أن الصحة النفسية هي توافق مع الذات و مع البيئة فكل فرد يحمل داخله على الدوام مجموعة من الرغبات والمطالب والحاجات هو في سعي دائم لإشباعها في حدود بيئته الاجتماعية.
وهو بذلك يسعى إلى التوافق من جهة، وخفض التوتر من جهة أخرى. فإذا نجح في ذلك قيل بأنه يتمتع بالصحة النفسية، وإن فشل قيل العكس.
وللحفاظ على الصحة النفسية نحتاج إلى عدة مهارات منها: مهارة حل المشكلات، و مهارة اتخاذ القرار، و مهارة الاختيار.
2_ ما المقصود بتغير المناخ:
يقصد بتغير المناخ : كل التغيرات التي تحدث في كوكب الأرض، سواء بارتفاع درجة الحرارة، أو التصحر، أوالفيضانات. وما إلى ذلك من الظواهر الطبيعية التي تقع في كوكبنا نتيجة السلوكات العدوانية التي يرتكبها الإنسان اتجاه الطبيعة.
هذا التغيير المناخي عادة ما يؤدي إلى تغيرات على مستوى الطبيعة، وكذلك على مستوى حياة الإنسان.
ويعزى تغير المناخ إلى عدة أسباب، نذكر منها على وجه الخصوص، كثرة الأنشطة الصناعية البشرية، فمن خلال تطور الصناعة بدأ العالم يعرف تغيرا مناخيا شديدا، خاصة بعد اكتشاف الفحم والنفط والغاز. فبحث الإنسان عن الطاقة كان له دور كبير في إحداث تغيير جذري على المناخ.
فعلى سبيل المثال أدى إفراط الإنسان في حرق الوقود الأحفوري إلى تشيكل غطاء ملفوف حول الأرض، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
ومن تمطهرات تغير المناخ، نجد الجفاف الشديد، وندرة المياه، والحرائق الشديدة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف الكارثية، وتدهور التنوع البيولوجي. بالإضافة إلى التأتير في الصحة النفسية للإنسان.
3_ علاقة تغير المناخ بالصحة النفسية
تشكل الصحة النفسية عنصرا هاما من عناصر الصحة، ومن المرجح أيضا أن تتأثر بتغير المناخ العالمي. وهذا ما أدركه العالم اليوم، حيث صار يعي أن أي تغير في المناخ، يؤدي بالضرورة إلى التأثيرعلى الصحة النفسية للأفراد.
وهذا ما لوحظ في كتير من الدراسات الأجنبية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. فمن المرجح أن يؤثر تغير المناخ على البشرية بطرق جوهرية.
إن الاضطرابات المناخية لا تؤثرعلى الصحة البدنية فحسب، بل من المحتمل أيضًا أن يؤثر على الصحة النفسية، فمن الغالب أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة المحيطة إلى زيادة معدلات العدوان والانتحار العنيف، في حين يمكن أن تؤدي فترات الجفاف الطويلة بسبب تغير المناخ إلى زيادة عدد حالات الانتحار بين المزارعين.
وبخلاف ذلك، يمكن أن يؤدي الجفاف إلى ضعف الصحة العقلية والإجهاد. يمكن أن يؤدي تزايد تكرار الكوارث المرتبطة بتغير المناخ إلى اضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب التكيف، والاكتئاب.
كما قد تدفع التغيرات في المناخ والاحتباس الحراري السكان الى هالجرة، مما قد يتسبب لهم في الإجهاد الثقافي. ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى زيادة معدلات الأمراض الجسدية، والتي قد ترتبط بشكل ثانوي بالضيق النفسي.
4_ آثار تغيّر المناخ على الصحة النفسية
ستنعكس التغيرات المناخية سلبا على بيئتنا و ستكون لها عواقب وخيمة على صحتنا. فارتفاع درجة حرارة الهواء والبحر، والتغييرات في نسب هطول الأمطار، وزيادة الطواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى البحر، تؤثر سلبا على على حياة الإنسان. ومن هذه التغيرات المناخية المؤثرة على الصحة نجد:
ارتفاع درجة الحرارة
من خلال مجموعة من الأبحاث والدراسات، وجد العلماء أن هناك ارتباطا قويا بين ارتفاع درجة الحرارة و تزايد السلوك العدواني والعنف ومعدلات الانتحار لدى الإنسان.
بعد الجلسات ال باستراليا إلى أن الاحتباس الحراري يساهم في ارتفاع الاضطرابات النفسية، ويتجلى ذلك في تعكر المزاج وجنوح الإنسان نحو القلق بشكل مفرط وسهولة التعرض وللخرف.
الجفاف، والاضطرابات المطرية
يعد الفلاحون، وعمال المزارع في المناطق الريفية، هم السكان الأكثر تعرضًا القلق والاكتئاب واليأس والانتحار من جراء اضطراب معدلات التسقطات المطرية، والجفاف. وتشير بعض الدراسات المهتمة بالعلاقة بين الصحة النفسية وهطول الأمطار إلى أنه قد تحدث ضائقة نفسية خفيفة، أو تفاقم حالة نفسية، خلال فترة انخفاض هطول الأمطار، في حين قد يظهر الاكتئاب الشديد بعد سنوات من الجدب الطويل.
كما أن هذا الضيق المرتبط بمراقبة التدهور البيئي ومعاناة الماشية يمكن أن يكون له أثر عاطفي كبير على نفسية الفلاحيين، بالإضافة إلى ذلك قد تؤدي الأمطار الإضافية خلال موسم الحصاد (أشهر الصيف) إلى فرض ضغوط مالية على الفلاحين، حيث يمكن أن تتدهور جودة المنتوجات الفلاحية، أوقد تتلف. ويمكن أن تسبب الأمطار الغزيرة كذلك تآكل التربة وفقدان مغذياتها، وإلحاق أضرارًبالممتلكات الفلاحية وفقدان الماشية.
إن نفسية الفلاحين والمزارعين غالبا ما تكون مرهونة بمعدلات التسقطات المطرية، والجفاف. فكلما كانت اثار الجفاف قوية، كانت حالة الفلاحين والمزارعين متدهورة، بحيت يؤدي انحباس المطر إلى توقف أنشطتهم الفلاحية، وتراجع نشاط تربية الماشية، وقلَّت المحاصيل الزراعية. مما يكون له الأثر العميق على نفوسهم. فيدفعهم إلى الكآبة واليأس والقلق، وفي بعض الأحيان إلى الانتحار.
وتمتد انعكاسات الجفاف الى كافة المواطنين، فالقحط يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية، الشيء الذي ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين، فيشعرون بعدم القدرة على تلبية حاجاتهم وحاجات أسرهم. فيتولد في داخلهم شعور باليأس والضيق وعدم الرضا.
العواصف
تعتبرالعواصف من والظواهر الجوية الشديدة الخطورة. و تستمد الأعاصير طاقتها من الشمس، حيث تسقط أشعتها القصيرة على سطح البحر، فتسخن الماء و يتحول إلى بخار، ويرتفع إلى الأعلى فيبرد ويتكاثف محررا الطاقة الحرارية التي تتحول إلى طاقة حركية تدير الإعصار.
هذه الأعاصيروالعواصف غالبا ما تؤدي إلى تدمير المنازل، وتفكيك الأسر، وقتل الأرواح، مما ينعكس سلبا على حياة الإنسان نفسيا.
فالذين ينجون من العواصف، يتعرضون لخسائر اقتصادية كبيرة، فيفقدون منازلهم، وممتلكاتهم، بل يفقدون أحينا أفرادا من أسرهم أو عائلاتهم. فيصابون بامراض نفسية خطيرة.
فعندما تحدث أشياء مرعبة، كالعواصف مثلا، يتأثر الكثير من الأشخاص بشكل كبير، ويعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، فيتذكرون مشاعر الخوف الشديد، ز العجز، والرعب.
كما كما أن الناجين من الأعاصير والعواصف أو من الكوارث الطبيعية بصفة عامة، معرضون للإصابة بأمراض نفسية مختلفة، وهذه الاضطرابات النفسية تنطوي على اختلالات جسيمة في التفكير و ضبط المشاعر و السلوك.
من خلال المعطيات السابقة، يظهر أن للتغيرات المناخية أثرا سلبي و وخيم على الحياة النفسية للإنسان. فهي تسبب له القلق والكآبة وتدفعه أحيانا إلى الانتحار.
غيرأن الإنسان من خلال وعيه بأهمية البيئة، يستطيع أن يقلل من هذه الآثار النفسية، وذلك بالتوعية بقيمة المحافظة على البيئة، وصيانتها، والإيمان بارتباط حياة الإنسان بالبيئة النظيفة والسليمة. والسعي بجد نحو البحث عن بدائل طاقية صديقة للبيئة كالطاقة الشمسية و الطاقة الريحية.